الى هؤلاك الذين يعيشون آخر سنواتهم داخل الفصول الدراسية:
أهلًا بكم يا رفاق، أُدرك حجم الضغوط التي تعيشونها في هذه المرحلة، ولذلك سُعدت كثيرًا حين أُتيحت لي الفرصة
لأشارككم قصتي؛ قصةٌ أرجو أن تزرع في قلوبكم بارقة أمل، ولو قليلًا
قُبيل عامٍ من الآن، كنتُ أقف في نفس المحطة التي تقفون عندها اليوم، كانت لديّ أحلام، وكان يسكنني شغف، وكانت رغبتي الكبرى أن أختِم سنتي الأخيرة في المرحلة الثانوية مع رُفقاء الدرب، وأن أحتفظ بأكبر قدرٍ من الذكريات
دخلتُ سنتي الثالثة وكانت السنة الفاصلة التي ستحدّد مستقبلي بأكمله وكانت الفكرةُ لوحدها أصعب من ان تصفها بعضًُا من الكلمات،
انتهى الترم الأول وأنا أعيش صراعًا داخليًا بين: لماذا أحاول؟ لماذا أذاكر؟ ما زال الوقت طويلًا جدًا يا فرح! ولسوء الحظ كنت مقتنعة وجدًا أن الدرجة التي أريدها بعيدة المنال، لأنني حاولت مرارًا وتكرارًا ولم أجني شيئًا مما زرعته، وأن دخولي للتخصص الذي أحلم به شبه مستحيل، فتركت المحاولة وانشغلت بأصحابي وبأمورٍ لا طائل منها،
ثم جاء الترم الثاني.. وهناك، وفي لحظة إدراك مُريبة، شعرت أن الله أوقظ قلبي وسألت نفسي:
لماذا لا أمنح نفسي فرصة بسيطة؟ مجرد محاولة؟
ولو كان الطريق صعبًا، ولو كان كل من حولي يبتسم ابتسامة استهزاء حين أذكر حلمي ويَرددون "انتِ؟ في هذا التخصص! مستحيل"
قررتُ ان اُلملمَ شُتات نفسي وان اتجاهل كُل محاولةًُ باتت بالفشل وان ابدأ من جديد، وفي نهاية الترم الثاني اختبرت وكانت النتيجة كأنها صفعة، درجة لا تُسعد أحدًا، شَعرتُ ان الدنيا هذه بأسرها كانت ضدي، أن نُورَ الأمل بات مَخفي، الآن! لم يعد لي مُتسعٍ من الوقت لأحاول مجددًا حتى! ندمت على كل لحظة تركت فيها صحباتي لأجل المذاكرة، وعلى كل وقتٍ قطعت فيه نفسي عن الناس، شعرت كأن جهدي انساب من بين يدي كالماء، ومضى الترم الثاني بلا إي إنجاز يذكر وانقطع حبل الرجاء بيني وبين تخصص أحلامي، ثم جاءت فترة التحصيلي، وبفضل الله حققت درجة رائعة، لكن القدرات.. كان جرحًا لا يندمل، وكل ذكرى عنه كانت تغرس في قلبي سهمًا من نار، وبينما أنا في هذا الضيق، سمعت الآية: (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى )
فأحسست أن الله يربت على كتفي بلطف، ويحتويني بكلماته التي كانت كنمسةِ هواء على صدري، حينها أدركت انها تبقت لي فرصة اخيرة! فرصة واحدة إن ضاعت، ضاع الطريق كله ولكن المشكلة الأثقل على صدري كانت ضيق الوقت، فأنا في الترم الأخير، ولم يتبقَّ لي سوى أسبوعين فقط قبل أن تبدأ اختباراتي النهائية وينتهي الترم وتنتهي أحلامي، فتحت موقع قياس ولم أجد أية حجز! شعرت أن الباب يغلق في وجهي مرة أخرى وانه لا يوجد أي حُصادٍ لثماري، لكني لم أتوقف، كل ليلة أفتحه من جديد، وكأن كل مافيني يَرفض الأستسلام، وفي إحدى ليالِ الجمعة، فُتح بوجهي الباب الذي لا يُرد، ظهر مقعد شاغر! وكأن الله ناوله لي ليطمئن قلبي، حجزته بلا اي تردد.. ومن دون ان ارى التاريخ حتى! حينها أدركت امرًا ما، اختباري كان في آخر يومٍ لي في المدرسة، يوم الوداع، يومُ حُصاد الذكريات، لحظة عُمرٍ لطالما تمنيتها
ولوهلة شعرت أن الله يأخذ مني اللحظة الأخيرة التي كنت أنتظرها منذ ثلاث سنوات، وكان أكثر ما يؤلمني أنني كنت أخشى أن يكون كل ما أفعله بلا جدوى، ماذا لو لم أحقق أي نتيجة؟ ماذا لو ضاعت محاولتي الأخيرة، ولم أستطع حتى أن أعيش ذكرى آخر أيامي في المدرسة؟ حينها تَرددت الآية في دماغي مُجددًا، فوكلتُ أمري لله.
جاء اليوم الأخير والموعود والذي سيحدد مصيري بأكمله!انهيتُ آخر اختبارٍ لي في الثانوية، ثم خرجت أركض نحو القدرات وفي داخلي دواميّة من الأسئلة:
هل سأحقق حلمي؟ هل سأستغل الفرصة الأخيرة؟ هل الله سيعوض قلبي؟ وفجأة انقطع سيلُ أفكاري وأسئلتي بصوتٍ خرج من مسجّل السيارة، يردد الآية ذاتها: ﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴾.
كان الأمر وكأن الله يجيب عن كل سؤالٍ ازدحم به قلبي، ويطبطب على خوفي بكلمةٍ من السماء، زاد يقيني بالله وثقتي به، إذا كنتُ لا استطيع الوثوق بنفسي فـ لِما لا أثقُ بصانع المُعجزات وكاتب الأقدار!
دخلتُ الاختبار وأنا أحمل في قلبي يقينًا عميقًا "بالله، ثُم نفسي" بأن هذه المحاولة ستكون تلك التي انتظرتها طوال عمري، المحاولة التي سأجني فيها ثمرة كل تعبٍ، وكل ليلةٍ بكيت فيها خشية أن يضيع حلمي..
أختبرت، وكان كلُ شيءٍ أسهل مما توقعت، فوالله إني كُنت احل بكل سرورًُ وطمأنينة كما لو كنتُ واثقة من كل إجابة تضعها أناملي. وبعد مدة، ظهرت النتائج، عاد الضوء لقلبي.. لم أصدق يومًا ما رأيته، حصلت على ماكنت أحلمُ به وظننته مُستحيلا! سجدت سجود شكر، فالنتيجة فاقت توقعاتي! وحصلت على درجة داوت كل جراحي وعادت إلي روحي، بكيتُ كثيرًا إمتنانًا لله إلذي رأى سعيي وأعطاني هذه الفرص العظيمة،
واليوم أنا أدرس في التخصص الذي لطالما فاض به قلبي، وأسيرُ على الطريق الذي رجوتهُ في سجودي
وكم اودّ ان تصّل رسالتي لكم جميعًا،
الرحلة ليست فردية، الله معك ويراك وبجانبك ويعضد خطاك، فليس على الله بعسير، وما ألقى الله في قلبك رغبة الوصول إلا لأنه يعلم أنك قادر، ومهما أُغلقت في وجوهكم الأبواب، فتمسّكوا بحبل اليقين بالله… فهو لا يترك من لجأ إليه.