أنا درر… معلمة، وحالمة لم تُطفئها العثرات مهما اشتدّت.
لم تكن رحلتي سهلة، بل كانت مليئة بما يكفي ليختبر الله به قوة قلبي وثباتي.
في يومٍ ما، بدأت أشعر بثقلٍ غير مفهوم في جسدي وروحي. خطواتي صارت متعبة، ابتسامتي أصبحت باهتة، وكأن شيئًا يضغط على صدري ويحاول إخماد نوري. سمعت مَن يقول إن ما أمرّ به قد يكون حسدًا أو عينًا أو طاقة تُحبط وتُرهق. لم أكن أعلم تحديدًا ما الذي أصابني، لكنني كنت أشعر أن شيئًا ما يسحبني بعيدًا عن نفسي.
لم أكن أتخيّل يومًا أن قدمي التي حملتني بخفة على مدى سنوات، ستصبح يومًا كالصخرة، ثقيلة، مُرهقة، ترفض الانصياع لي.
كنت أعيش حياتي كمعلمة بكل حب، أرسم الأمل في وجوه الطالبات، وأؤمن أن التعليم رسالة وليست وظيفة
تدهورت صحتي حتى أصابني شبه شلل، واضطررتُ للمشي بآلة أشبه بآلة مشي العجائز…
نعم، أنا التي كنت أركض خلف أحلامي بكل قوة، صرت أتعلم من جديد كيف أرفع قدمي، كيف أحافظ على توازني، وكيف أقنع نفسي بأنني لم أنتهِ بعد.
لكن الألم الأكبر لم يكن في قدمي…
كنت أكرر اختبار الرخصة المهنية مرة بعد مرة. كنت أسقط، وأنهض بصعوبة، ثم أسقط ثانية. كل إخفاق كان كفصلٍ جديد من المعاناة، وكأن المرض يحاول أن ينتزع مني حلمي في أن أبقى معلمة أثبت جدارتها.
وفي ليلة من ليالي الإنهاك، حين اختنق صدري من البكاء ولم يسمعني أحد، قلت لنفسي بصوت متعب لكنه مصمم:
«يا درر… أنتِ وُلدتِ لتقفي، لا لتسقطي. قومي.»
ومن تلك اللحظة بدأت رحلتي الحقيقية.
بدأتُ علاجي بالرقية الشرعية خطوة بخطوة، وأعدت بناء جسدي وإرادتي معًا.
كنت أتمسّك بجهاز المشي وكأنه الجسر الوحيد بيني وبين الحياة، ومع كل خطوة كنت أقول في داخلي:
وكل صباح، رغم الألم، كنت أفتح كتبي وأراجع دروسي استعدادًا للاختبار.
كنت أصلي، وأطيل السجود، وأبكي، وأدعو الله أن يربط على قلبي وأن يردّ لي عافيتي ونجاحي.
مرت الأيام… ثقلت الدروس… وثقلت قدماي…
حتى جاء اليوم الذي فتحتُ فيه نتيجة الاختبار.
وحين رأيت كلمة «ناجحة وبجدارة » ابتسمتُ ابتسامة لا تشبه أي ابتسامة عرفتها في حياتي.
في تلك اللحظة لم أشعر فقط أنني اجتزت اختبارًا مهنيًا…
بل شعرت أنني انتصرت على الألم، والضعف، والخوف، وكل ما حاول أن يُطفئني.
وقفتُ بعدها أمام المرآة بلا جهاز، بخطوات ثابتة، وقلت لنفسي:
«يا درر… هذا النصر صنعته دموعك وصبرك وإيمانك. تستحقين كل هذا.»
أروي حكايتي لأني تعلمت أن كل سقوط هو بداية علوّ، وأن كل ألم يحمل في داخله شفاء، وأن الإرادة حين تستيقظ لا يُوقفها مرض ولا حسد ولا خوف.
حكاية امرأة اختارت أن تنهض… فنهضت.
واليوم أمشي بثبات، أعلّم بثقة، وأحمل داخلي درسًا لا يُقدّره أي اختبار:
أن الإنسان إذا تمسك بالله، ثم بنفسه، فلا شيء يستطيع أن يكسره.