أعلم أن كثيرًا منكم يحمل في قلبه أسئلة لا يجد لها إجابة، ومشاعر لا يستطيع أن يبوح بها، ولذلك سعدت حين أُتيحت لي الفرصة لأشارككم حكايتي؛ حكايةٌ أتمنى أن تُنبت في داخلكم يقينًا بأن الله لا يترك أحدًا.
في الرياض وُلدت… وفي دار التربية الاجتماعية الخاصة بالايتام مجهولي الأبوين ترعرعت. كنت ألعب وألهو مع إخوتي في الدار، بعيدًا عن الأسئلة الثقيلة التي لا يفهمها طفل. لم أكن أعرف معنى الغياب، ولا معنى أن يكون للإنسان عائلة تنتظره… كنت طفلًا فقط.
لكن كبرت… وذهبت إلى المدرسة.
وهُنا بدأت أسمع قصصًا لم تكن تُشبه عالمي. أصدقائي يتحدثون عن إجازاتهم مع عائلاتهم، وعن أول دراجة اشتراها والدهم لهم. كانوا يخرجون من بوابة المدرسة ليقعوا في أحضان آبائهم… بينما انا احرص على عدم التأخر، لأتجنب غضب سائق الحافلة.
كانت الأسئلة تزورني بين حينٍ وآخر:
"لماذا أنا؟ أين عائلتي؟ ماذا ينقصني؟"
"محمد… ركّز على دراستك. هذه الأسئلة فكر فيها بعدين."
كنت متميزًا، لا أرضى بالقليل، أؤمن أن مستقبلي هو الباب الوحيد الذي يجب أن أطرقه بكل قوتي. نعم… كنت أتأثر، وهذا طبيعي، لكن وكأن الله وضع في قلبي قدرة لأقف كل مرة من جديد.
وأتذكر أنني كنت أكتب أحيانا في صغري:
كانت لدي رؤية مختلفة لنفسي. رؤية تقول إنني أستحق، وإنني قادر، وإن الغياب لا يعني النهاية. وربما لم أصبح "د. محمد" إلى الآن… لكنني ما زلتُ على الطريق، وسأصبح يومًا ما بإذن الله.
ومع الوقت، أدركت حقيقة مهمّة:
كنت أحاول أن أغيّر من حولي… أن أبحث عن تقدير الآخرين… عن مكان يشبهني… لكن في لحظة صدق، فهمت أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل.
يجب أن أغيّر نظرتي لنفسي، لا الناس.
أن أحترم ذاتي، لأمتلئ بالثقة… وعندها سيحترمني الآخرون.
ثم سألت نفسي يومًا: "لماذا؟"
واكتشفت أنني لم أكن أقل، بل كنت أجرّ نفسي إلى مقارنة ظالمة لا معنى لها.
وكلما غرقت في الأفكار، سألت نفسي سؤالًا واحدًا:
إلى متى أسمح للحزن أن يسرق مني الطريق؟
وحين أجبت بصدق… تغيّر كل شيء.
فهمت أن الله لم يخلقنا عبثًا.
لكل واحدٍ منا دور، مكان قوة، ومكان نقص. وإذا أدّيت دورك كما يجب… سترضى. وهنا يكون النجاح الحقيقي.
واليوم، أكتب لأقول شيئًا واحدًا:
اعزم… واجتهد… وسيُوفقك الله.
لا يهم أين بدأت، المهم إلى أين تمضي.
ولا يهم ما تفتقد… المهم ما تصنعه بما تملك.
...فربما لم يكن لي حضن أب
لكن كان لي حضن من رحمة الله، لا يغيب ولا يغلق بابه.
1873312111197032909__1764584465747_2024 Video 1280p.mp4